إذا حسبنا الكبرياء مرضاً لا نكون مخطئين لأنها لا تصيب إلاّ ذوي العقول الصغيرة الذين تنقصهم الصفات الجيدة والحسنة ليتفوّقوا بها على سواهم فلا يجدون ما يترفّعون به على الآخرين إلاّ بكبريائهم ،فهي بالواقع : مرض التكبّر .
إن أردت أن تتعرّف على صفات إنسان ما ، فشخصية كل امرىء وخفة عقله أو رجحانه هو الثناء عليه ، فإن وجدته قد سُرَّ في تفخيمك له فاعلم إن فيه خفة العقل بقدر ما له ميل إلى الكبرياء . فهذا الصنف من البشر يكون دائماً بحاجة شديدة إلى العظمة ولمن يُعظّمه . ويعتبر نفْسه إنه جُبِلَ من طينة غير طينة الإنسان . فالكبرياء تجعل الإنسان جلفاً غليظاً يبتعد عنه محبّيه ، فهي ابنة الأنانية وحفيدة الجهل . فإياك أن تتحدُث عن نفسك أو تمدح ذاتك أمام الآخرين أو تتكبّر عليهم لأن ذلك يجرح شعورهم ويجعلهم ينفرون منك .
قال أحد الشعراء :
وَمِنَ البَلْوى التي ليس لها في الناس كُنْــهُ
أنَّ مَنْ يعــرِفُ شيئاً يدّعي أكثرَ مِنـهُ
فاعلم أيها الإنسان أن سنبلة القمح لا ترتفع إلاّ لأنها فارغة ، فالرؤوس الفارغة تكون ملأى بالكبرياء والغطرسة ، فالحكماء تتحاشى الكِبَر وتأنف منه فأفلاطون نظر إلى رجل جاهل معجب بنفسه فقال : وَدِدتُ أني مثلُك في ظنّك وأن أعدائي مثلُك في الحقيقة . ورأى رجلٌ رجلاً يختالُ في مشيته فقال : جعلني الله مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي .
قال بعضهم :
يا صاحِ لا تَكُ بالعليــاءِ مُفتَخراً إن كُنتَ لم تولِ نفعاً قطُ بل ضررا
إنّي أرى شجرَ الصفصاف مُرتفعاً إلى العُلُــوِّ ولكن لا أرى ثمــَرا
فكلّما خطرت الكبرياء في ذهنك فاذكر إنك ستتحوّل يوماً ما إلى تُرابٍ تَطؤه الأرجل ، ونذكر قول الشاعر :
قُلْ للذي تاهَ في دُنياهُ مُفتخـراً ضاع افتخاركَ بين الماءِ والطينِِ
إذا تفقدّتَ في الأجداثِ مُعتبِراً هُناكَ تنظرُ تيجـانَ السَّـلاطينِ
فكن متواضعاً وديعاً فبالوداعة تملك قلوب الآخرين واعلم أن نجاح الإنسان لا يتوقّف دائماً على علمه أو ذكائه أو فصاحته بل على وداعته وتواضعه وحُسن معاملته للآخرين .
حُكِيَ أن المنصور كان جالساً فألَحَّ عليه الذُّبابُ حتَّى أضجره . فقال : انظروا مَنْ بالباب من العلماء . فقالوا : مُقاتِلُ بن سليمان. فدعا به ثم قال له : هل تعلم لأيّ حكمة ٍخلق الله الذباب ؟ قال : لِيُذِلَّ به الجبابرة . قال صدَقتْ . ثمَّ أجازه . ونذكر قول أبو العتاهية :
عَجِبْتُ للإنسانِ في فخرِهِ وهو غداً في قــبره يُقبَرُ
أصبحَ لا يملكُ تقديمَ مـا يرجو ولا تأخيرَ ما يَحْـذِرُ
فالشخص المتواضع هو الذي يكره المجد الفارغ .