مثال على التعلم المُوَلَّف
يمكن توضيح المقصود بالتعلم المُوَلَّف من خلال مقارنة برنامج تدريبي تقليدي مع برنامج يطبق مبادئ التعلم المُوَلَّف ، وهذا مثال يتناول تدريب الموظفين الجدد:
قد يتضمن الاتجاه التقليدي لتدريب الموظفين الجدد مساقا تدريبيا لمدة أسبوعين أو ثلاثة يتعرفون من خلاله على منتجات الشركة، ورؤيتها ..، ويتم ذلك داخل فصول تدريبية في وقت محدد قبل أن يلتحق الموظفون بالعمل الحقيقي.
وفي المقابل يمكن لبرنامج تعلم إلكتروني مولف (ينفذ خلال فترة زمنية أطول) أن يساعد في تحقيق الموازنة بين التعلم والأداء من خلال إيجاد وصفة تتضمن الآتي:
- فرص تعلم إلكتروني تفاعلي قبل أن يبدأ الموظفون العمل من أجل تعريفهم بمصادر التعلم والفريق الذي يعملون معه، ولجعلهم أكثر استعدادا للنجاح.
- جلسة انطلاق للبرنامج تتم في فصل تدريبي (واقعي) من أجل التعارف وبناء الفريق.
- سلسلة من الدروس الشبكية ذاتية السرعة تغطي منتجات الشركة وخدماتها.
- المناقشات الشبكية غير التزامنية التي تتيح المشاركة وتبادل دراسات حالة حول مواقف وسناريوهات التعامل مع الزبائن.
- سلسلة من جلسات التدريب التعاونية الفورية يتحدث الموظفون من خلالها مع أعضاء فريق الإدارة.
- اختبار بعدي على الشبكة العنكبوتية لمنح شهادة بالكفايات التي تحققت لدى الموظفين الجدد.
- استبانة شبكية تتيح للمشاركين إعطاء التغذية الراجعة حول برنامج التعلم من أجل تحسينه في المستقبل.
بعد جلسة الانطلاق القصيرة تتم جميع الإجراءات السابقة في مكان عمل الموظفين الجدد على مدى فترة زمنية ممتدة قد تقلل الوقت المتوفر للإنتاجية بالنسبة للموظف لكنها تدفع نحو دمج وتطبيق العناصر الرئيسة للتعلم في سياق العمل.
اختيار المكونات المناسبة للتعلم المُوَلَّف
يعد إيجاد استراتيجيات التعلم المُوَلَّف عملية تطورية، يلزم من أجلها استكشاف إمكانات الفريق، والبنية التحتية للمؤسسة، ومدى تقبل المتدربين لأنماط التعلم الجديدة.
بالنسبة للعديدين تكون المرحلة الأولى لبدء برنامج التعلم المُوَلَّف هي تكميل البرنامج التدريبي القائم سواء كان فصلا تدريبيا تقليديا، أو مكتبة لمحتويات التعلم الذاتي بنشاطات تعلم إلكترونية فورية قد تشمل التدريب، والفصول و الورش الافتراضية من أجل تطوير عملية التعلم ودمجها بشكل أفضل في بيئة العمل.
وفي حال تطوير الخبرات واكتساب الثقة بالقدرة على استخدام الأدوات الرئيسة المتاحة، يكون من المناسب استثمار جهد أكبر في إعادة تصميم البرنامج التدريبي لتحقيق أكبر أثر ممكن على مجال العمل، وفيما يلي توضيح لعملية ذات مستوى عال من أجل التعامل مع بعض القرارات الأساسية في تصميم البرنامج التدريبي:
يجب أن يبدأ أي برنامج تدريبي بأهداف واضحة للأداء المطلوب ومجال العمل، وتحديد لما يجب أن يكون المتعلم قادرا على القيام به بعد انتهاء البرنامج التعليمي من أجل التقدم في مجال العمل، وانطلاقا من هذه الأهداف يلزم القيام بعمليات التصميم التعليمي التحليلية، ويجب أن يراعي ذلك الخيارات الجديدة المتوفرة لعملية لتصميم، وتشمل عمليات التحليل ما يأتي:
تحليل الفئة المستهدفة:
تحليل الفئة المستهدفة أساسي من أجل التحقق من البدائل المتاحة لوسائل نقل المعرفة التي ستكون أكثر فاعلية في تحقيق أهداف الأداء المحددة، ويلزم لهذا التحليل مراعاة عوامل رئيسة عديدة تشمل ـ ولا تقتصرـ على الآتي:
- المعرفة الأساسية: ما مدى التوافق في المعرفة التي جاء بها المتدربون؟
- أنماط التعلم المفضلة: بينما تختلف أنماط التعلم باختلاف الأفراد، يلاحظ أن ذوي الخلفيات المتشابهة يشتركون في أنماط التعلم المفضلة؛ إذ يميل الأفراد من القطاع التجاري والمبيعات إلى أشكال التعلم التعاوني، والمرئي، واللفظي، وغير الخطي، في المقابل يلاحظ أن ذوي الخلفية في تقنية المعلومات والاتصال يميلون إلى أنماط التعلم الخطية والواقعية والملموسة والفردية، فما مدى التنوع في أنماط التعلم الذي يجب توفيره؟
- الموقع: يجب تحديد المكان الذي سيكون فيه المتدربون، هل هم موزعون أو موجودون في مكان واحد؟
- الدافعية: ما هو مستوى الجهد والعناء والكلفة التي يتقبلها المتدربون من أجل تحقيق التعلم المعروض.
- الوصول: ما هي عناصر البرنامج التي تراها الفئة المستهدفة كفايات أساسية يجب اكتسابها مسبقا قبل أن تبرز الحاجة إليها، مقابل تلك التي يمكن الوصول إليها عند الحاجة أو الطلب.
تحليل المحتوى:
يعد تحليل المحتوى مرشدا في عملية اختيار البدائل الأكثر مناسبة لنقل المعرفة، وهنا يجب مراعاة أثر هذه البدائل على مدى الاحتفاظ بالتعلم عند اختيار وسائل التفاعل بين الفئة المستهدفة والمحتوى، وتتوفر حاليا بدائل لم تكن متاحة في أغلب الفصول الدراسية (التدريبية) للنفاذ إلى المحتويات والأدوات المتنوعة والتفاعلات ثنائية الاتجاه، والألعاب والمحاكاة.
إن بعض أشكال المحتوى (على سبيل المثال، التعديلات الكبيرة في السلوك، والمهارات البدنية المعقدة) لا يمكن أداؤها بفاعلية إلا من خلال أنماط التدريب المباشرة وجها لوجه، ومن المهم في هذه الحالة إدراك مدى الحيوية في المحتوى، فإطلاق منتج جديد على سبيل المثال ينتج عنه في العادة تحول سريع في المحتوى نتيجة لاستيعاب ودمج المعطيات التي ترد بشكل مستمر من ميدان العمل والتعامل مع العملاء، ولذلك ينبغي ـ في الغالب ـ أن تتوفر البرامج التي تتناول هذا ا لنوع من المحتوى بشكل فوري ومباشر لتسهيل تطوير المحتوى باستمرار وتعديله.
التحليل المالي:
يؤدي التحليل المالي لكل من كلفة تطوير المحتوى وتوصيله دورا مهما في اتخاذ القرارات بشأن طريقة التوصيل المناسبة، فبرامج إيصال المحتوى التي يتعامل معها المستخدمون بسرعتهم الذاتية تعد منخفضة الكلفة إذا تمت مقارنتها بالطرق التي تعتمد الأسلوب الفوري في التعامل مع المحتوى live formats ، وفي المقابل قد تكون كلفة إنتاج هذه البرامج مرتفعة جدا ويحتاج تطويرها وقتا طويلا إذا كانت ذات مستوى عال من التفاعل وتستخدم تقنيات ووسائل تعليم متعددة.
أما المحتوى الذي يقدم من خلال الفصول التدريبية أو التعلم الإلكتروني الفوري فيمكن تطويره بسرعة وبكلفة قليلة، وقد يكون أيضا ذا كلفة عالية، ولكن الدراسات أظهرت أنه على الرغم من الكلفة العالية للتعلم الفوري إلا أنه أكثر جدوى اقتصاديا ما لم يكن المحتوى مستقرا وسيتم توصيله للمتدربين لآلاف المرات أو أكثر.
البنية التحتية:
قد تكون البنية التحتية عائقا أمام الاستفادة من بعض وسائل الاتصال المتاحة، فكثيرا ما تعوق محدودية القدرة الاستيعابية للفصول التدريبية السرعة التي يتم فيها تدريب مجتمع واسع من المتدربين، وكذلك فإن أحجام الشاشات وإمكانات النفاذ إلى الشبكات تختلف في الهواتف النقالة عنها في الحاسبات الشخصية، وما لم يكن المرء محظوظا فإنه لن يجد شبكة ذات حزمةِ تردُّد كافية لنقل صور فيديو كاملة الحركة، ولحسن الحظ فإن أغلب تقنيات التعلم الإلكتروني الشائعة تتوافق بشكل عام مع البنية التحتية المتوفرة، كونها تعمل في الشبكات ذات الحزم الترددية المنخفضة.
فوائد التعلم المُوَلَّف
تنبع فكرة التعلم المُوَلَّف من أن التعلم عملية مستمرة وليس حدثا ينتهي في مرة واحدة، والتوليف يوفر فوائد متعددة مقارنة بأنماط التعلم التي توظف وسيلة اتصال واحدة، ومن هذه الفوائد ما يأتي:
زيادة فاعلية التعلم:
أظهرت دراسات حديثة وجود دلائل على أن استراتيجيات التعلم المُوَلَّف تحسن مخرجات التعلم من خلال توفير ارتباط أفضل بين حاجات المتعلم وبرنامج التعلم.
يزيد إمكانات الوصول للمعلومات:
إن أنماط التعلم التي تقتصر على وسيلة اتصال واحدة تحدُّ إمكانات الوصول للمواد التعليمية والمعارف المهمة في موضوع التدريب، وعلى سبيل المثال تقصر برامج التدريب في الفصول الدراسية التقليدية إمكانات الوصول بالمشاركين الذين يوجدون في مكان وزمان محددين، في حين تشمل الفصول التدريبية الافتراضية الفئات المستهدفة التي توجد في أماكن متباعدة، ويمكن تجاوز مشكلة الوقت المحدد للتدريب إذا توفرت إمكانية تسجيل مجريات الفصل التدريبي وإتاحة الوصول إليها من قبل المتدربين الذين لم يتمكنوا من المشاركة في التدريب الفوري.
تحقيق الأفضل من حيث كلفة التطوير والوقت اللازم:
يتيح ضم أو دمج أنماط توصيل مختلفة أمكانية تحقيق التوازن بين البرنامج التعليمي الذي يتم تطويره (بناؤه) وبين الكلفة والوقت اللازم لذلك، فقد يكون تطوير محتوى تدريبي شبكي بالكامل بأسلوب التعلم الذاتي وغني بالوسائط التعليمية مكلفا جدا، ولكن الدمج بين أنماط مختلفة (كالتعلم التعاوني الافتراضي، والجلسات التدريبية المعتادة، ومواد التعلم الذاتي البسيطة مثل الوثائق، ودراسات الحالة، وأحداث التعلم الإلكتروني المسجلة، وعروض البوربوينت) قد يكون بذات الكفاءة أو أكثر ولكن بكلفة أقل.
تحقيق أفضل النتائج في مجال العمل
تظهر المؤسسات من تطبيقاتها الأولية للتعلم المُوَلَّف نتائج استثنائية إذ وجد أن تحقيق الأهداف التعليمية قد تحقق بوقت أقل بنسبة 50% من الإستراتيجيات التقليدية، وتم تخفيض كلفة السفر والانتقال لأماكن التدريب إلى نحو 85%.
الاستنتاج:
بدأت المؤسسات تكتشف أن التعلم المُوَلَّف لا يوفر الوقت والكلفة فحسب، بل يقدم طريقة أكثر سلاسة للتعلم والعمل، والمؤسسات التي في صدارة هذا الجيل الجديد من التعلم سيكون لديها فريق عمل أكثر إنتاجية وتطبيقا للتغيير ونجاحا في تحقيق الأهداف، وكما يقال فإن قدرة المؤسسة على التعلم وتحويل ذلك التعلم بسرعة إلى عمل هو خير مصدر لتحقيق الأفضلية التنافسية.
يجب على المؤسسات أن تنظر إلى أبعد من حدود فصول التدريب التقليدية من خلال المزاوجة بين أفضل الخبرات الحالية والمستجدات الحديثة في تقنيات التعلم من أجل تعظيم النتائج، والأهم من ذلك يجب على المؤسسات أن تسعى إلى إعداد كل فرد في المؤسسة ليصبح مشاركا فعالا في عملية التعلم والمشاركة.