فضل الزكاة وأهميتها وبعض أحكامها
الحمد لله القائل في كتابه:[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ] (فاطر:15)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي يسر لعباده الأرزاق، ووسع عليهم من أنواع المال ما شاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كان أجود الناس بالإنفاق وكان في رمضان أجود من الريح المرسلة،صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم مبعث الأنام، أما بعد: فيأيها المؤمنون والمؤمنات أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).
عباد الله: من جزيل فضل الله تعالى أن امتن على عباده بتتابع مواسم الطاعات، ويسر فيها أنواعاً كثيرة من القربات، فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات.
ومن أجل نعم الله تعالى علينا نعمة المال التي تيسرت لكثير من العباد فأصبحوا بفضل الله تعالى أغنياء، وفتحت لهم كثير من أبواب الرزق، فكثر المال بجميع أنواعه، فمنا من يملك المال، ومنا من يملك العقارات، ومنا من يملك الأراضي، ومنا من يملك الإبل والأغنام، ومنا من يتاجر، ومنا من يستثمر، ومنا من جمع الله له ذلك.
لذا فواجب علينا نحن المسلمين أن ننظر لهذه النعم ونتوجه إلى المنعم علينا بها بالشكر الجزيل، وأعظم أبواب الشكر أن تؤدى زكاتها، ويتصدق منها، وينفق منها على وجوه الخير المتنوعة، قال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ](النحل:172)، وقال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ](التغابن:9ــ11).
عباد الله: اعلموا رحمكم الله أن الله تعالى أوجب على عباده المؤمنين أصحاب الأموال زكاة لمن ذكرهم الله في كتابه، وقسَّمها بينهم، ورتب الثواب على أدائها، والعقاب على منعها، وقرنها بالصلاة في مواضع كثيرة من كتابه، تعظيما لشأنها، وتنبيها بذكرها، وحثاً على أدائها لتطهير النفس من درن الشح والبخل، ودفع النفس إلى الجود والكرم لتحصيل النماء والزيادة والبركة والفلاح والطهارة، قال تعالى:[خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا](التوبة:103)، وقال تعالى:[ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] (النور:56).
فالشارع الحكيم اللطيف بعباده أوجب شيئاً يسيراً بعد مدة طويلة إذا اعتاد الإنسان إخراجه ــ من المال المحبوب طبعاً امتثالاً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ــ استفاد حب خالقه الذي رزقه إياه، ووعده أن يخلف عليه ما أنفقه، قال تعالى:[ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ](سبأ:39)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أنفق يا ابن آدم ينفق عليك)(متفق عليه).
من أجل ذلك أردت إيضاح بعض الأحكام المتعلقة بالزكاة وخاصة في هذا الشهر المبارك الذي يحرص فيه كثير من الناس على إخراج زكاتهم.
فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: الماشية التي عند الإنسان على ثلاثة أقسام:
سائمة ــ عروض تجارة ــ حاجة خاصة ــ.
ثانياً: الخيل: إما أن تكون عروض تجارة فتزكي ربع العشر، أو تكون للدر والنسل، أو تكون للسبق عليها، وهذه لا زكاة فيها.
ثالثاً: الخارج من الأرض: يزكى نصف العشر، أي 5% إذا كان يسقى بمؤنة، أما إن كان من البعل الذي يسقى بالسيل فزكاتها 10% ، أي العشر، ونصاب الحبوب والثمار والتمر (675) كيلو جرام.
رابعاً: من عنده نخل في البيت أو الاستراحة: فعليه زكاته يخرصه في البداية، ويخرج زكاته، وإذا كان يعطي منه الآخرين فنقول: انو ما تعطيه زكاة ولو كان خرافاً، وسجل ذلك ثم اعرف ما عليك من الزكاة، وكم أخرجت، وأكمل الباقي، وهنا ننبه إلى أنه يخرج حسب الأنواع، وذلك بمعرفة قيمتها...............................
خامساً: الوصف المناسب لما تجب فيه الزكاة هو الاقتيات والادخار، فأي ثمر يقتات ويدخر تجب فيه الزكاة، فإن لم يكن كذلك فإن كان يباع ويشترى فيزكيه عروض تجارة، وإلا فلا زكاة فيه.
سادساً: العسل: يزكى إذا بلغ نصاباً (675) كيلو جرام، وزكاته نصف العشر، أي 5%.
سابعاً: إذا كان لك دين عند الآخرين: فتزكيه سنوياً إلا إذا كان من عليه الدين معسراً أو مماطلاً، فهنا لا تزكيه إلا إذا قبضته مرة واحدة فقط ولو جلس عنده عدة سنين.
والدين الذي عليك لا تخصمه من أموالك، بل لا أثر له على الزكاة إن كان ما عليك من الدين حالاً فسدد وإلا فسدده في وقته، لكن لا تخصم مقداره من مالك وإلا فمن الذي ليس عليه دين للبنك العقاري أو الزراعي أو غيرها.
ثامناً: النصاب بالريالات مرتبط بالذهب والفضة، ونصاب الذهب (70) جرماً، ونصاب الفضة (460) جراماً.
والأصلح للفقير هو نصاب الفضة لأنه يزكي عدد أكبر، فمن كان عنده من الريالات (500) ريالاً وحال عليها الحول وجب عليه أن يزكيها (5و2%) أي ربع العشر، ويعرف ذلك بأن يقسم ما عنده على أربعين.
تاسعاً: الحلي المستعمل: لا زكاة عليه في أصح قولي العلماء، أما إن كان لا يستعمل فيزكى.
عاشراً: المال الموصى به للميت: لا زكاة عليه، فالأثلاث والأوقاف على جهات عامة لا زكاة فيها، ولو كانت كثيرة وتنمى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:[وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ](البينة:5).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وعد المحسنين بالعطاء الجزيل، ووعد البخلاء بالعذاب المهين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله القائل حينما بلغه منع الزكاة (إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن ما في أيديكم من أنواع المال منة من الله تعالى، فأدوا شكرها بإخراج زكاة أموالكم لتطهر وتنمو وتدخلها البركة، ويعود ذلك عليكم صحة وعافية وسلامة وأمناً واستقراراً.
واعلموا عباد الله أن من مسائل الزكاة الهامة أيضاً ما يلي:
الحادي عشر: الأفضل في زكاة الراتب وما في حكمه: أن يجعل المسلم له يوماً محدداً في السنة، مثل هذا اليوم (التاسع من رمضان)، وما يفعله بعض الناس يقول: زكاتي في رمضان، وأحياناً يزكي في أوله، وأحياناً أوسطه، وأحياناً آخره، هذا خطأ.
الثاني عشر: إذا أبدل المسلم ماله بمال آخر: مثل من عنده فلوس وقبل الحول بأيام اشترى أرضاً لبيعها، فنقول قوّم الأرض وزكها، والحول من بداية حول الفلوس، أما إذا اشترى بها شيئاً لحاجته الخاصة كأرض ليبني عليها عمارة يسكن فيها، أو يشتري سيارة له أو لأحد أبنائه فلا زكاة في هذا المال، إلا إذا تبقى منه شيء بلغ نصاباً فهنا يزكى الباقي فقط.
الثالث عشر: الذين يقسطون السيارات وغيرها من السلع على الناس إذا جاء يوم زكاتهم فعليهم أن يحسبوا كل ما عند الناس، وما يوجد لديهم ويزكونه.
الرابع عشر: المساهمات: على المسلم أن يسأل عن سعرها، فإن عرف زكاها (رأس المال والربح) وإن لم يعرف فيزكي رأس ماله، وإذا قبض الربح يزكيه مرة واحدة فقط.
أما المساهمات المتعثرة فتزكى إذا قبضت، والشركات التي تزكي عن المساهم فيها يكتفى بزكاتها.
الخامس عشر: الذي عنده بقالة أو محل تجاري لبيع أي شيء: يقومه في يوم زكاته بسعر البيع الحالي، ويزكيه (5و2%)، أي ربع العشر، أي يقسم المال كله على (أربعين) وما خرج هو زكاته. هذا في ما هو معروض للبيع، أما المكائن، والثلاجات، والأشياء الثابتة فلا زكاة فيها.
السادس عشر: العقارات والدكاكين والسيارات التي تؤجر الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول.
السابع عشر: من عنده أرض أو أراضي ولكن لا ينوي بيعها الآن، وإنما لو ارتفع سعرها باعها فلا زكاة فيها الآن حتى ينوي بيعها.
الثامن عشر:إذا كان على شخص دين لآخر: فلا يجوز إسقاطه وحسبانه من الزكاة لأن ذلك يجر الحظ لصاحب الدين، فيتهرب بإسقاط هذا الدين من الزكاة، وهي حق الفقير فقط.
التاسع عشر: بعض الناس يكون عنده مال لقريباته: ولكن لا يعلمن عنه، ثم هو يزكيه سنوياً، وهذا خطأ فالزكاة عبادة ولابد فيها من الإنابة فيطلب منهن إنابته في زكاته، وهنا لا حرج أن يزكيه نيابة عنهن.
العشرون: مصرف الزكاة لابد من العناية والاهتمام به: فالله تعالى قد حدد في كتابه تلك الأصناف التي تجب لها الزكاة، قال تعالى:[ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ](التوبة:60)، فلا يجوز إخراجها لغير هذه الأصناف المذكورة.
الحادي والعشرون: يشترط لمن أراد أن يخرج زكاته أن ينوي: لقول النبي صلى الله عليه وسلم
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى)(متفق عليه).
عباد الله تلك بعض أحكام الزكاة التي يحتاجها المسلمون كي يخرجوا زكاة مالهم طيبة بها نفوسهم، فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، ولشرعه موافقاً.