والكمال الإنساني ,,, من اين يبدأ الاصلاح

من أين يبدأ الاصلاح؟!

بقلم د. حسن يوسف الشريف – يقظة فكر

يعيش الإنسان في ثلاثة عوالم، تحدث عنها المفكر الجزائري (مالك بن نبي) وقال: “الإنسان يعيش في ثلاثة عوالم: عالم الأفكار، وعالم الأشخاص، وعالم الأشياء. فلكل حضارة عالم أفكارها، وعالم أشخاصها، وعالم أشيائها”.

ويقصد بعالم الأفكار: مجموعة المعتقدات والمسلمات والتصورات والمبادئ والنماذج التي تحتويها عقول مجتمع ما في لحظة تاريخية ما، ويدخل في هذا العالم أيضاً كل أنماط التفكير والقيم والمشاعر والأحاسيس.

أما عالم الأشخاص فيقصد به: مجموعة العلاقات والنظم والاتصالات والقوانين التي تنظم حياة الأشخاص الذين يكونون هذا المجتمع فيما بينهم.

أما عالم الأشياء: فهو كل ما ينتجه هذا المجتمع من مبانٍ وشوارع وزراعة وصناعة وغير ذلك من المنتجات والخدمات الملموسة. هذه هي العوالم الثلاثة التي تعيشها المجتمعات، والإنسان فرد منها: عالم فكره، وعالم علاقاته، وعالم أشيائه.

من أين يبدأ الاصلاح؟!

والإنسان له القدرة على التغيير فيها سلبياً أو إيجابياً، وهذه العوالم الثلاث مترابطة، فإذا حدث تغير في إحداهم حدث بالطبع تغيير في العوالم الأخرى، ولكن أيها أهم ؟!، بمعنى آخر؛ أين يبدأ التغيير الذي يعتبر نقطة البدء في الإصلاح ؟!. للإجابة على هذا السؤال؛ استعرض (مالك بن نبي) خبرة المفكرين؛ فمنهم من قال بأن الفكرة أولاً، ومن قال أن عالم الأشياء أولاً، ثم استعرض الحل الذي توصل إليه بعد تفكير طويل، وإليك المثال الآتي لتعرف أن عالم الأفكار حينما يكون متطوراً أو صالحاً تصلح به باقي العوالم.

“حاول أن تتخل معنا قوماً من الأمازون أو من الأدغال الأفريقية؛ بعاملهم الفكري المتواضع وبدائيتهم، وقد تم نقلهم إلى ألمانيا، بينما تم نقل الشعب الألماني إلى أفريقيا أو إلى الأمازون، ماذا سيحدث؟! الأمر سيبدو واضحاً جلياً، وهو أن الألمان في هذه الحالة سيعمرون ويطورون ويصلحون المناطق الأمازونية أو الأفريقية، بينما ستُدمر ألمانيا ببنائها وحضارتها وشوارعها على يد القبائل البدائية”.

والذي نفهمه من هذا المثال؛ أن عالم الأفكار المتطور الصالح هو الذي يستطيع أن يطور عالم الأشياء، وأن عالم الأشياء المتطور يمكن أن يدمره عالم الأفكار المتخلف.

وهكذا يقول المنطق –كما يذكره جاسم سلطان- : إنك إذا قررت أن تعمل في وظيفة ما؛ فإن أول ما تطلبه هو أن تتعرف وتفهم طبيعة العمل؛ ومن ثَمَّ تبدأ بعالم الأفكار ، ثم تتعرف على من ستتعامل معهم (عالم العلاقات)، ثم تبدأ في الإنتاج (عالم الأشياء). وكلما تمكنت من فهم العمل الذي ستقوم به، وكانت شبكة العلاقات متينة، كلما كان عالم الأشياء رائعاً. إن عالم الأفكار يترتب عليه عالم العلاقات، ويترتب عليها عالم الأشياء.

أي أن طريق الإصلاح للأفراد والأمم يبدأ من عالم الأفكار أولاً؛ وهذا هو ما استهدفه القرNن: إثارة العقل نحو التفكير: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا..} ، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ .. } ، إنه –تعالى- يريد أن يقول للإنسان: لا تكن مثل الحيوان؛ ليست له رسالة في الحياة، ولا رؤية في المستقبل. وأن الإنسان الغافل والذي لا يحسن الاستفادة من عقله وأدوات إحساسه، مثل حاستي السمع والبصر؛ إنما مكانته إلى أقل من الحيوان {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} .

إن غفلة القلب تعني أنه يعاني من البطالة الفكرية؛ فهو يرى الحقائق بعينه ويسمعها بأذنه، ولكن لا يستفيد منها شيئاً.

إنه يُلدغ من الجحر الواحد مرات ولا يستفيد… لأنه غافل !!.

إن المخاطر والتحديات تحوطه من كل جانب ولا يحس بها… لأنه غافل !!.

إنه يسير في طريقه إلى الخسائر والهزائم ولا يشعر بذلك… لأنه غافل !!.

وكم يجر الغافل على نفسه وأمته من المصائب دون أن يشعر !!!

لقد نهى الإسلام عن التقليد، وأمر بالبحث عن الدليل والبرهان، ونهى عن أن نبني المواقف والآراء على الظنون، بل لابد من أن تقوم على العلم {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ؛ لأن الظن تصور لا يقوم على دليل، وهو ضد العلم. بينما التفكير العلمي يقوم على الدليل والبرهان {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } ، ولابد أن نستشعر المسئولية الملقاة على حواسنا وطريق تفكيرنا {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} .

وليس هدف الإسلام المساهمة فقط في رفع كفاءة القدرات العقلية (التفكر والتذكر والتعقل والفهم والاستنباط والاستقراء والحكمة والقياس ….)، بل تحفزه على الإنجاز: وهي القدرة على تحويل الفكرة إلى واقع عملي. وإلا فهو إنسان غير سوىّ {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ، ودعا إلى الإيجابية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} .

فليس المهم إضافة سنوات إلى حياتك، وإنما المهم إضافة حياة إلى سنواتك؛ فانجازاتك هي التي تحدد نسبة حياة سنواتك، فإنسان بلا إنجازات هو ميت الأحياء.

والكمال الإنساني

والكمال الإنساني له جانبان: جانب معرفي نظري علمي (العقل)، وجانب إنجازي سلوكي تطبيقي (عمل). فالكمال الإنساني هو الجمع بين المعرفة والعمل، فالمعرفة بلا عمل نقص، والعمل على غير معرفة وعلم نقصٌ أيضاً..

ومشكلتنا كعالم ثالث؛ هو أننا نعرف ونعلم أكثر مما نعمل وننجز، فلابد من النشاط الفكري والنشاط البدني معاً، فكثير من مشاكلنا كالفقر مثلاً إنما تكون بسبب كسلنا عن العمل، أو التسويف والتواني في إنجازه، لذا كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: “تزوج الكسل بالتواني فولد بينهما الفقر”.

فالنهضة لا تقوم إلا بعقل مفكرٍ وإرادة فاعلةٍ، فإذا أردنا التغيير نحو الإصلاح؛ فلابد من حيوية العقل الفكرية، وحيوية الإرادة الفعلية، أو بمعنى آخر؛ لابد من الحيوية الفكرية للعقل، والحيوية الفعلية للإرادة

جزاك الله خير

يعطيك العافيه

يعطيك العافيه

جزاك الله خير