تمهيد :
إن تطور دور الدول في المجتمعات الحديثة , خاصة منه الدور الاقتصادي أدى الى الأهمية البالغة التي تعطى للموازنة العامة باعتبارها أداة هامة و مؤثرة في عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ومن هذا المنطلق سنحاول التطرق الى :
1– نشأة و تطور موازنة الدولة :
لم تنشأ الموازنة بمفهومها العلمي الراهن , الا بعد نشوة فحين كان المجتمع يعيش حياة قبلية بدائية , لم يكن ثمة حاجة للموازنة و بعد أن انتظم المجتمع بشكله الحديث في شكل دولة تقوم على رأسها حكومة تسير أمورها العادية من خلال صرف مجموعة النفقات , و التفكير في احضار مجموعة الايرادات و العمل على الموازنة .
يعتقد أن الرومان هم أول من اضطر الى تنظيم واردات الدولة و نفقاتها في اطار الموازنة العامة , نظرا لاتساع رقعة الامبراطورية , و يقال أن الموازنة الرومانية كانت توضع حينذاك لمدة 5 سنوات .
أما في القرن 17 فقد تسلم البرلمان الانجليزي الصلاحيات المالية المتعلقة بالضرائب و انفاقها , عندئذ تبلورت فكرة الموازنة بمعناها العلمي الحديث , فانتقلت أمانة الملتقى الوطني الأول حول الاقتصاد الجزائري في الألفية الثالثة , جامعة سعد دحلب البليدة 09000
من بريطانيا الى سائر الدول و كانت فرنسا الدولة الأولى التي اقتبست فكرة الموازنة , كما كانت الدولة الأولى التي أدخلت عليها كثيرا من التحسينات على اثر الثورة الفرنسية سنة 1789 , ومن التحسينات الهامة التي أدخلتها على الموازنة أن السلطة التشريعية أصبحت لا تكفي لمناقشة الواردات و النفقات و تصديقها و الاذن لها , بل أصبح بحق لها مصادقة استعمال الأموال العمومية من قبل السلطة التنفيذية .
1– تعريف الموازنة العامة : يمكن تعريف الموازنة العامة من خلال الأتي :
1 - يرى الدكتور قحطاب بالسيوفي في كتابه بأن الموازنة العامة هو صك تعدد السلطة التنفيذية , يتضمن تقديرات مفصلة لنفقات الدولة التي تلتزم القيام بها و لمواردها اللازمة لتمويل هذه النفقات , حيث يعرض على السلطة التشريعية مناقشة ما تراه مناسبا منه في صيغة قانونية , يسمح بموجبها للسلطة التنفيذية القيام بمهامها الجبائية و الانفاق خلال فترة زمنية محدودة .
2 – كما يعرفها المفكر باسل في كتابة ميزانية الدولة على أنها عبارة عن أداة من خلالها تقوم الحكومة باقتطاع و توزيع جزء من الثروة المنشأة الاقتصاد بغية تحقيق سياستها الاقتصادية و الاجتماعية .
بينما تعرفها بعض التشريعية القانونية على النحو التالي :
1 – القانون الفرنسي :
الموازنة هي الصيغة التشريعية التي تقدر بموجبها أعباء الدولة و ابراداتها و يؤذن بها , و يقررها البرلمان في قانون الميزانية الذي يعبر عن أهداف الحكومة الاقتصادية و المالية للمرسوم الصادر في جوان 1956 .
2 – القانون البلجيكي :
يعرفها على أساس أنها بيان الواردات و النفقات العامة خلال الدورة المالية .
3 – القانون اللبناني :
يعرفها القانون اللبناني من خلال المحاسبة العمومية بأنها صك تشريعي تقدر فيه نفقات الدولة و ابراداتها عن سنة مقبلة , حيث تجار بموجبة الجباية و الإنفاق , المرسوم الصادر بتاريخ 13 / 12 / 1963 .
4 - القانون الجزائري :
تتشكل الموازنة العامة للدولة من الإيرادات و النفقات المحددة سنويا كموجب قانون و الموزعة و فقا للأحكام التشريعية المعمول بها , المادة 6 من قانون المالية سنة 1984 .
إن دورة الموازنة تعني جملة الإجراءات و المعاملات الفنية , الاقتصادية , و السياسية بالتدفقات النقدية للموارد و النفقات ذات الطابع الدوري , ذلك أنها تتمثل في عدد من المراحل المتصلة و المكررة , و التي تتميز كل منها بمشاكلها الخاصة بدءا من مرحلة التحضير و إعداد الموازنة إلى الاعتماد , ثم تنفيذها , و التي تستند إلى الرقابة كأخر مرحلة . ولكن مع اتساع وظائف الدولة و تضخيم نفقاتها , لم يعد مقبولا كما يراه العالم الفرنسي لوفنبرجر " Ioufenberger "
إن مبدأ الوحدة لم يتلاءم مع التطورات السياسية و الاقتصادية , و لهذا فقد أخذ مبدأ الموازنة مفهومها حديثا بوجود موازنة كاملة للدولة , و موازنات مستقلة , و أخرى استثنائية , و كذا ملحقة , ناهيك عن المباديء الأخرى التي لا تقل أهمية عن مبدأ الشمولية و عدم التخصيص , ثم التوازن .
11 – عجز الموازنة العامة :
تعتبر مشكلة عجز الموازنة العامة من المسائل و القضايا الجوهرية التي أثارت اهتمام الباحثين في دول العالم , فهي من المشكلات المالية التي المتميزة بتطويرها الذي يصيب كافة المجالات : الاجتماعية , السياسية و الاقتصادية في ظل تقلص المواد , و اتساع الحاجات .
وقد تعدت المشكلة كونها قضية تواجهها دول العالم الثالث , بل و حتى الدول الصناعية المتقدمة أصبحت تنظر إلى عجز الموازنة العامة كمشكلة حقيقية تتطلب تخطيطا دقيقا و جهدا كبيرا .
1 - مفهوم عجز الموازنة العامة :
يمثل العجز في الموازنة العامة الفارق السلبي. موازنة توسيعية من خلال زيادة المصروفات التي تؤدي بدورها إلى زيادة الطلب الكلي دون أن يرافقها زيادة في المداخيل .
2– أسباب عجز الموازنة العامة : يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية فيما يلي :
- التوسيع في دور الدولة للإنفاق العام , و ذلك من خلال زيادة متطلبات و احتياجات المواطنين .
- ضعف النمو الاقتصادي و تقلص مداخيل الدولة .
- ارتفاع الضرائب غير المباشرة خاصة , وهو ما يؤدي الى ارتفاع الأسعار , و الذي ينتج عنه المطالبة برفع الأجور أي ضرورة تدعيم الدولة للأجور .
- ارتفاع الاقتطاعات على العائدات للعائلات يؤثر على القدرة الشرائية , و من ثم على ادخارهم , وبصفة عامة يمكن أن ندرج هذه الأسباب في سببين رئيسين هما :
أ - زيادة الإنفاق الحكومي.
ب - تقلص الموارد العامة .
3 - معالجة عجز الموازنة العامة :
لقد تطرقت دراسات عديدة لموضوع عجز الموازنة العامة , و كيفية مواجهتها , بإيجاد الطرق المثلى لتمويله و التعامل معه , و سنحاول أن نستعرض في هذا الجانب , التوجيهات الاقتصادية الحالية المعالجة لمشكلة عجز الموازنة العامة حسب الأسس الدولية و التطبيقات الحديثة.
فمن دول العالم من تنتهج برامج الإصلاح الذاتي لمعالجة المشكلة , و منها من تلجأ إلى المؤسسات المالية الدولية لتمويل عجزها و خاصة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي , و مختلف المؤسسات المالية الدولية الأخرى.
3-1 برامج الإصلاح و التنمية الذاتية :
تنتهج كثيرا من دول العالم برامج الإصلاح الذاتية التي تعتمد على إجراءات و طرق علاجية, تختلف حسب طبيعة نظامها المالي و خصائص تهدف هذه البرامج إلى ترشيد النفقات العامة, وزيادة الإيرادات الضرورية بفرض الضرائب على جميع المجالات القابلة لذلك أي الإبقاء على دور الدولة واضحا في الاقتصاد بما يحقق التنمية الشاملة و التخطيط المحكم, و في إطار برامج الإصلاح الذاتي, و بغية علاج الجزء المتعلق بالموازنة العامة من النظام المالي تلجأ الدولة إلى إتباع أخذ السياسات التمويلية التالية:
3-1-1: سياسة التمويل الداخلي لتغطية العجز في الموازنة العامة:
تلجأ الدولة النامية إلى الاقتراض الداخلي عوضا عن طلب القروض من الأسواق العالمية في سبيل ذلك تصدر تلك الدول سندات الخزينة لتمويل العجز في الموازنة العامة , غير أن هذه السياسة قد تترتب عنها بعض الآثار السلبية كزيادة حجم الدين العام الداخلي عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة .
3-1-2 : ترشيد النفقات العامة :
وهو تطبيق عملي لأفضل كفاءة في توزيع الموارد , فهو يشمل بالضرورة الحد من الإسراف في كافة المجالات و الأخذ بمبدأ الإنفاق لأجل الحاجة الملحة لتحقيق النمو المطلوب في الاقتصاد الوطني .
3-1-3 : سياسة التمويل الخارجي لتغطية عجز الموازنة العامة :
يهدف هذا الإجراء إلى التأثير على ميزان المدفوعات بتعزيز رصيد احتياطي العملة الأجنبية المتحصل عليها من القروض , أو المحافظة على أسعار صرف العملة المحلية في حدود المعقول التي لا تؤدي إلى حدوث خلل في الموازنة العامة , نتيجة ارتفاع قيمة الدين العام الناتج عن انخفاض قيمة العملة المحلية . ويدخل في سياسة التمويل الخارجي لسندات الخزينة التي تستقطب الأموال الأجنبية و استخدام سياسة تشجيع الطلب الخارجي و تنشيطه من خلال تشجيع الصادرات في الوقت نفسه , و هو ما يحقق نتائج فورية , كبيرة , و يقلل من عجز الموازنة العامة , و من الملاحظ أن مثل هذا الإجراء لسياسة التمويل الخارجي , تنتهجه الدول الصناعية و لا يمكن في كثير من الأحيان أن يستخدم بنجاح . في الدول النامية , لأن العبء الذي تستحمله هذه الدول في سداد تلك القروض على المدى البعيد , سيفوق حجم العائدات من هذه القروض .
- 4 برامج الإصلاح و اللجوء إلى المؤسسات الدولية :
-4-1 صندوق النقد الدولي و إشكالية التمويل :
يشترط صندوق النقد الدولي لعلاج مشكلة عجز الموازنة العامة , تدعيم مجموعة من السياسات الموجهة إلى القطاع المالي , وهو ما تعمل به الدول الراغبة في الاستفادة من برامجه , و ذلك بتطبيق جملة من التدابير المالية و تعديل سياستها القائمة , وهو النشاط الضروري قبل الحصول على الدعم المالي كجزء من عملية التكييف الذي يهدف إليه الصندوق , و يشمل جملة التدابير الخاصة بجوانب المصروفات , ينبغي اتخاذ الاجراءات اللازمة لضبط الانفاق بما يقلل عجز الموازنة العامة و المصروفات المقصودة لتخفيض هذه النفقات الغير المكتملة و ذلك بالتركيز على الجوانب التالية :
-إجراء الإستقطاعات المالية للقطاعات التي تتحمل التقشف ، كقطاع الدفاع و القطاع الإجتماعي و قطاع الإدارة .
-.إلغاء المعونات و المصروفات الإستهلاكية التي تشجع النمو و الإستثمار ، أي رفع الدعم الحكومي على السلع الضرورية ، و حصرها في الفئات المستحق لها ، يشرط أن يتم التخفيض في التكاليف المترتبة على هذا الإجراء ، كتقليص أعداد الموظفين في القطاع العام .
*أما في جانب الضرائب ، فإن البرنامج يوصي بضرورة تطبيق الإصلاحات الضريبية إلى زيادة المرونة و شمولية النظام الضريبي ، و تندرج هذه السيلسة ضمن الإجراءات الهادفة إلى زيادة الإيرادات العامة عن طريق توسيع القاعدة الضريبية و تحسين وسائل جبايتها بما يقلل التهرب الضريبي .
إستخدام سياسة تسعيرية تتناسب و كلفة إنتاج السلع و الخدمات .
*إلغاء الدعم الحكومي الممنوع للمؤسسات العامة ، و كذا تصفية المشروعات التي تحقق خسارة دائمة و مستمرة .
كما يوصي الصندوق بإجراء دراسات لغمكانية تطبيق الخوصصة على إعتبار أنها تؤدي إلى تقليل أعباء الأنفاق العام ، و زيادة الإجراءات ، مما يقلل العبء عن الموازنة العامة و يخفض العجز فيها .
*و في مجال ميزان المدفوعات يشير صندوق النقد الدولي إلى ضرورة تقليل عجز الميزان التجاري ، بتصحيح الثغرة المالية بين الإستمارات و إدخارات القطاع الخاص و عجز أو فائض الحكومة ، كما أن برنامج صندوق النقد الدولي يضع حدودا عليا الإهتمام المصرفي الداخلي للحكومة و الذي يهدف إلى مراعاة الحدود للقروض الحكومية المسموح بها لتمويل عجز الموازنة العامة .
-4-2 آثار التمويل على عجز الموازنة :
من الملاحظ أن معظم الدول التي تلجأ إلى تطبيق برامج الصندوق النقدي الدولي تجد نفسها مجبرة على الإستعانة به ، لما يترتب عن ذلك من هزات إجتماعية و إضطرابات داخل هذه الدول .
قد تؤدي قرارات ترشيد الإنفاق و الإجراءات المتعلقة ببيع المؤسسات العامة إلى إرتفاع نسبة البطالة ، كذا تخلي الدولة عن دعم السلع الضرورية و تخفيض الخدمات . فهذه العوامل كلها تؤدي إلى نتائج إجتماعية و سياسية سلبية .
وقد أوضحت بيانات صندوق النقد الدولي ، أن من بين 77 برنامجا تمت دراستها و جد أنه في 28 منها قد أنخفض عجز الموازنة العامة و عجز الميزان التجاري .
و في 20 منها إرتفاع عجز الموازنة العامة و الميزان التجاري ، و فيها تبقى منها زاد عجز الميزان التجاري رغم إنخفاض عجز الموازنة العامة ، أو إنخفاض عجز الميزان التجاري رغم زيادة العجز الحكومي .
لقد أصبح العجز مشكل حقيقي تواجهه موازنات دول العالم خاصة النامية منها ، غير أن بعض علماء المالية يرون أن التوازن الإقتصادي قد يتم في بعض الحالات على حساب العجز في الموازنة ، و هذا ما يعرف بنظرية العجز المتراكم . إلا ان العجز قد يكون من الأمور المرغوب فيها في بعض الأحيان كوسيلة لحل بعض المشاكل الإقتصادية ، أو توسيع عملية التنمية ، حيث تعتمد بعض الدول إلى استخدام العجز لمحاربة البطالة بزيادة التوظيفات و المساعدات و الأجور في القطاع العام.